قد يبدو لك من العنوان بأنني سأتحدث عن العُمّال المقيمين على أرض هذا الوطن المبارك ، ولكن المقصود هُم عُمّال ما قبل الطفرة ، وهُم المواطنون العصاميون الذين كانوا يعملون في جميع النشاطات المتوفرة في زمنهم ، يعملون في الزراعة ورعي الماشية ، وفي البناء وفي الجزارة والخرازة ، وفي الحدادة وصناعة أدوات الحراثة والأدوات المنزلية التقليدية ، ويعملون في قيادة سيارات النقل الثقيل وسيارات الأجرة ، وفي التجارة بمختلف مجالاتها ،
وعندما كُنّا نذهب إلى السوق آنذاك نجد المواطن واقفاً يبيع في متجره وآخر يقف على منتجاته الزراعية أو الحيوانية ، وهكذا كان يعمل الجميع في مختلف المهن والحرف وحتى النساء كُنَّ يعملنَّ في الدباغة والغزْل والحياكة ،... إلخ.
أما عُمّال المواصلات عنوان المقال ، فقد إحتاجت وزارة المواصلات ( النقل حالياً ) في مرحلة ما قبل الطفرة بأن تستعين بمواطنين محليين للقيام بصيانة الطريق الترابي الذي يربط بين الطائف وأبها ، بحيث تكون كل فرقة مكونة من خمسة رجال مسؤولة عن صيانة الجزء الواقع في مقر إقامتهم والذي يبلغ طوله قُرابة ٥ إلى ١٠ كيلومترات ، وتتركز الصيانة في إزالة الحجارة من الطريق وردم وتسوية الحُفر التي تُسببها الأمطار ، ورُغمَّ إستخدامهم للأدوات اليدوية التقليدية وقلة الوقت الذي يقضيه هؤلاء الرجال كل صباح في عملهم إلَّا أن النتائج في المجمل كانت رائعة وتُحقق الهدف .
ولو لم تكن ثقافة العمل وحبه مُترسّخة لدى أولئك الرجال لما قَبِلوا بأن يكونوا عُمّالاً أو أجيرين لدى الغير ، خاصةً أنهم من كبار السن ومن خيرة القبائل ويملكون من الأطيان ما يُغنيهم عن ذلك ، ولو أن تلك الثقافة تواترت للأجيال اللاحقة لما شاهدنا الشباب العاطلين عن العمل وهُم يترفعون عن الكثير من المهن والحرف التي كان يعمل به الأجداد والآباء ، ولما شاهدناهم وهُم يتزاحمون على الوظائف الحكومية ويتعففون عن العمل في القطاع الخاص .
وختاماً ، صحيح أن مرحلة الطفرة مكنت الحكومة من إستيعاب جُلَّ طالبي العمل في القطاع الحكومي بشقيه المدني والعسكري وإستمرت على ذلك النهج لعشرات السنين ، إلَّا أن حجم الإحتياج والإستيعاب الآن لم يعد ممكناً كما كان عليه في السابق ، وأن الفرص تكمن في القطاع الخاص وعلى الشباب أن يُدرك هذا التحول في قنوات العمل الحالية و المستقبلية .
قال صلى الله عليه وسلم: ما أكل أحد طعاماً قط ، خيراً من أن يأكل من عملِ يده .
وفقني الله وإياكم لما فيه الخير والسداد