.
تحدثت في الجزء الأول من المقال عن التحفيز و الترغيب مقابل التحقير و الترهيب و عن ما يُحدِثَهُ التحفيز المعنوي من أثر إيجابي لدى الأفراد ، و نقلت لكم رصاصة الانطلاق الأولى و نقطة التحول للطالب الجامعي ،
وفي الجزء الثاني من المقال نقلت لكم قصة رصاصة الانطلاق الثانية و نقطة التحول للشاب الشحاذ ؛
ويسرني في هذا الجزء من المقال أن أنقل لكم قصة رصاصة الانطلاق الثالثة و التي لم تنتج عن تحفيز معنوي كما هو الحال في القصتين السابقتين ، بل نتجت عن تعنيف و هو ما كان يتَّبْعهُ المعلمين في ما مضى ؛
وبطل هذه القصة هو أحد الأصدقاء .
يقول هذا الصديق .... كنتُ أدرس في المرحلة الابتدائية و بالتحديد في الصف الثالث ، و كان مُعظم المعلمين في ذلك الوقت من الدول العربية ، و قد جرت العادة بأن يقوم معلم مادة المطالعة ( لغتي حالياً ) بقراءة النص مرة أو مرتين و الطلاب يرددون من بعده ، و من ثم يُعطي الدور للطلاب لقراءة النص كاملاً واحداً تلو الآخر ،
وما أن يصل الدور عندي إلا وقد حفظتُ النص عن ظهر قلب ، لأنني بكل بساطة لا أعرف حروف الهجاء كما هو حال بعض الطلاب ، ولا يُمكنني قراءة كلمة واحدة بالتهجّي ، و بالتالي كنتُ أقرأ حفظاً و أكتب رسماً ؛
هكذا كنت ! أنا لا أعلم لماذا ؟ و المعلم أيضاً لا يعلم أنني لا أعرف الحروف ؛ و في ذات يَوم و عندما حانت نقطة التحول ، حيث كان المعلم يدور بين الصفوف و الطلاب يقرأون النص بالدور ،
فلاحظ أنني لا أُتابع قراءة زميلي ، فربت على كَتِفي و قال: أكمل ، فارتبكت لأنني تعودت أن أقرأ من بداية النص حتى نهايته حفظاً ، وصرتُ أنظر إلى الكتاب تارةً و إلى المعلم تارةً أخرى ، و لا أدري ماذا أفعل ؟ و المعلم يصرخ .... أكمل أكمل ! و لكن لا حياة لمن تُنادي ،
فقد أُصبت بما يُشبه الشلل التام ، و في تلك اللحظة هوى المعلم بكفه - التي تُشبه في حجمها خُفَّ بَعيّر- على رأسي ليرتطم وجهي بالطاولة مُحدثةٍ لي غيبوبة قصيرة رأيتُ من خلالها حروف الهجاء تتناثر أمامي ( ا، ب ،ت ، ث ، ج) ،
وحين أفقت و استعدت قواي فإذا بي أرى كلمات النص بالحروف لا بالشكل ، و أستطيع أن أقرأ الكلمة تهجّياً ، وأحسستُ بفرحة عجيبة أنستني ضربة المعلم و ألمها و صرتُ أتهجأ الكلمات حتى قرأت النص كاملاً ، و كأنما حدثت لي مُعجزة لم أستطع تفسيرها حتى اليوم ،
والعجيب أن المعلم لم يعلم ماذا حدث لي من فتحٍ عظيم بعد الضربة التي قد تكون سبباً بعد مشيئة الله في إيقاظ بعض خلايا الدماغ المعطلة ! بعدها انطلقت مسيرتي العلمية بعد ما تمكنت من ( فك الحرف ) كما يقول الأجداد !
وبهذا انتهت قصة التحول لصديقنا الذي حقق إنجازات في حياته العملية ليتوج في نهاية المطاف بالمرتبة الخامسة عشر ، و بهذه القصة تنتهي قصص رصاصات الانطلاق الثلاث.
لا شك أن للتعنيف دور في تغيير سلوك بعض الأشخاص كما هو حال صديقنا ، ولكن ليس على الإطلاق ؛ فدينُنا الحنيف يحثُنا على التعامل فيما بيننا بالحُسنى و الرفق ،
ولنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم قدوة حسنة عندما كان يتعامل مع أهله ، خدمه ، أصحابه ، جيرانه وحتى مع أعداءه ،
وفي الحديث الصحيح ؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إن الله رفيق يحب الرفق , وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف " ،
وقال عليه الصلاة و السلام :" ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه " ؛
فالعنف لا يولد إلا الكراهية و الانفعالات غير المحمودة !
و خذ مثالاً على أبسط صور رفع المعنويات أو خفضها : عندما يُقابلك أحدهم ؛ فيقول لك : وجهك ما هو عاجبني اليوم ! مع أنك لا تشكو من شيء ، فما هي ردت فعلك النفسية ؟ سيئة ، أليس كذلك ؟ بعكس من يقول لك : ما شاء الله وجهك منَّور اليوم ! و قد تكون مهموماً أو محزونًا ، و لكن تأثيرها على نفسيتك ستكون طيبة و مُحفزة ! و قِس على ذلك .
و أخيراً فإنني آمل أن قد أفدتكم ببعض ما جاء في هذه القصص الثلاث راجياً من الله أن يجعلنا مِمَّن يقتفي أثر النبي و سنته في تعاملُنا مع بعضنا البعض